يتردد كثيرا على مسامعنا مصطلح الحوكمة ومعناه باختصار شديد (الإدارة الرشيدة بهدف التنمية المستدامة)
وهو من المصطلحات التي تلوكها الألسنة كثيراً ويطالب أطراف متعددة منهم الخبراء الاقتصاديون والمستثمرين والمهتمين بالعلوم الإدارية بتطبيقها.
جدول محتوى المقالة
فأيسمح لى عزيزى القارئ أن تسبح سوياً داخل جوف مصطلح الحوكمة ونكشف معاً أعماقه ونستخرج منه فوائده
ونتعرف على ماهي أهدافه وكيف يجرى تطبيقه؟ وما هي أنواع الحوكمة؟ وما هي الكيانات المستهدفة بتطبيقه؟
تعريف الحوكمة
في البداية نُمهد بشكل موجز للتعرف على مصطلح الحوكمة. بأن الكيانات وجميع أنواع الشركات والمنظمات تتكون من إدارات رئيسية ولكل منها مسئوليات محددة لتحقيق أهداف معينة. تتبعها أقسام ذات تصنيفات مختلفة ومتنوعة تعمل بتناغم وتكامل مع بعضها البعض وذلك تحت راية المُنظمة و خدمة لأهدافها وتحقيقاً لمصالحها.
وهنا يأتي دور الحوكمة لتنظيم وتنسيق وتكامل أدوار جميع مكونات العمل داخل المُنظمة. والحوكمة هي مجموعة إجراءات ولوائح تُشكل بوتقة متناسقة ومتكاملة من القواعد والقوانين والإجراءات الرسمية التي يجري تطبيقها على بيئة العمل
بغرض تحقيق معايير الجودة والتميز في الأداء وذلك عن طريق إختيار أكثر الطرق والأساليب صحة وفعالية من أجل إدارة تلك الكيانات وتحقيق أهدافها على النحو الأمثل.
بمعنى آخر أن الحوكمة هي وضع أسس وأنظمة معينة فعالة لتنظيم العلاقة بين الأطراف الرئيسية المؤثرة على أداء المنظمة. مما يساعد على تحديد المسؤوليات وتنسيق العمل بهدف تحقيق أهداف المنظمة نحو التنمية المستدامة.
ومجالات تطبيق الحوكمة شامل ومتسع جداً فهو يشمل من الدولة ذاتها إلى أصغر شركة أو منشأة مهما كان حجمها.
وتتجلى آثار و أهداف الحكومة بصورة جلية وأكثر وضوحاً على أداء الدولة لأن الحوكمة في الأساس تعتمد على الأنظمة والضوابط الحازمة والسياسات الواضحة التي تحكم شكل العلاقة بين جميع الأطراف.
دور الحكومة في تفعيل الحوكمة:
الحكومة هُنا هي الجهة القادرة على إنفاذ الحوكمة. بما يعنى تفعيل تلك الأنظمة والضوابط وتوظفها لإنتاج أنماط أكثر فعالية تحقق النتائج المرجوة وتستبعد الأنماط غير الفعالة. من خلال تطبيق مفهوم الإدارة الرشيدة.
وذلك يكفل لتلك الحكومة كفاءة الأداء والمرونة والقدرة على إتخاذ القرارات الصحيحة المتماسكة بصورة تتمتع بالشفافية. مما يجعل من تطبيق الحوكمة المساهمة بفعالية كبيرة ومؤثر في زيادة فرص التنمية الاقتصادية.
كل ذلك بهدف حسن إدارة موارد الدولة واستغلالها على الوجه الأمثل وتنميتها وعدم إهدارها والحفاظ عليها من العبث بها والاستيلاء عليها وتدريب وتنمية الكوادر وبناء القدرات الذاتية التي تعمل على تنفيذ قيم الحكم الرشيد من خلال تحقيق معدلات نمو مرتفعة اقتصادية لبناء ثقة المواطن في الحكومة وإحترام واجبات ومهام الوظيفة العمومية وما تتطلبه من قيم أخلاقية حميدة بعيدة كل البعد عن مواطن الزلل والشبهة.
الآثار الإيجابية للحوكمة:
الحوكمة ذات تأثير إيجابى على إجراءات حماية المال العام وكذلك توفير الحماية لمصالح جميع الأطراف سوياً. بشكل شفاف وعادل مما يشجع تلك الأطراف على العمل داخل تلك البيئة التي تطبق الحوكمة. فتصبح بيئة جاذبة ومشجعة للأعمال بفضل استقرارها وسيادة مبادئ القانون والعدالة ومعايير الإفصاح والشفافية والإنضباط.
(النظام الذي بمقتضاه يتم إدارة ومراقبة المنظمات لتحقيق التنمية الشاملة “المستدامة”)
الفرق بين الحكومة الإلكترونية والحوكمة الإلكترونية:
المصلحان بينها اختلاف واسع فـ الحكومة الإلكترونية معناها إستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في مجالي الاتصالات والمعلومات بين إداراتها المختلفة من خلال تغيير تنظيمي واكتساب مهارات حديثة ومعاصرة بهدف تحسين الأداء الحكومي في أداء وزارتها لمهامها المختلفة داخلياً وخارجياً.
أما الحوكمة الإلكترونية فهى بإختصار تحسين القدرة على الوصول للمستهدفين بالخدمات التي يستحقها عن طريق ما يلى:-
- تقديم حلول تكنولوجية بهدف تخفيف الضغط على الجهاز الإداري وتسريع أداء الخدمات للمواطنين إلكترونياً.
- ربط مراكز صنع القرار ببعضها مركزيا لتسهيل متابعة تنفيذ المهام.
- القضاء على البيروقراطية عن طريق إتاحة استخراج الوثائق إلكترونياً.
مصطلحات الحوكمة
الرقمنة:
وهى عملية يقصد بها تحويل مصادر المعلومات والوثائق من الشكل التقليدي (أوراق ، صور ، خرائط ، تعليمات مكتوبة) إلى تنسيق رقمى.
يُمكن لأجهزة الحاسب الآلى فهمه والتعامل معه لتكوين نظام معلومات لتلك الوثائق وسهولة استرجاعها والحصول عليها وحفظها.
الميكنة:
وهى عملية إحلال للأعمال المكتبية اليدوية لأعمال إلكترونية تستخدم فيها أجهزة الحاسب الآلي البرامج والأنظمة التكنولوجية المناسبة لطبيعة تلك الأعمال. بما يحقق ثورة شاملة في دولاب العمل الإدارى من حيث حفظ الأعمال وسرعة الأداء بدلاً من الأنظمة اليدوية البالية.
الشمول المالى:
وهي عملية دمج قطاعات من المواطنين مهمشين وذو دخول منخفضة ولا تُمكنها ثقافتها وتعليمها المحدود أو المتدنى من التعاملات المصرفية. من خلال تطبيقات إلكترونية بنكية سهلة وبسيطة الاستخدام ولا تتطلب جهد ولا وقت. وذلك بهدف مُعلن هو تسهيل تعاملهم من أماكن تواجدهم واستفادتهم من تلك التطبيقات الإلكترونية بأقل التكاليف وبأسرع وقت. ولكن يوجد هدف خفي وهو إحكام الرقابة على تعاملاتهم المالية بطريقة إلكترونية.
العملة الإفتراضية:
هي عملة ليس لها شكل مادى ملموس بل هي متاحة رقمياً أو إلكترونياً ويتم تداولها بواسطة الكمبيوتر وتستخدم كالنقود تماماً في كافة عمليات البيع والشراء. ولكن عن طريق المواقع الإلكترونية المتاحة على الشبكة العنكبوتية (الأنترنت) ويمكن الحصول على تلك العملة من الموقع الذي قام بإنشائها و بالسعر الذى يحدد ذلك الموقع. وأشهر تلك العملات المستخدمة عالمياً هي (البيتكوين).
الشفافية:
هي عملية نشر مجموعة مبادئ متكاملة مثل الصراحة والوضوح والرقابة والمحاسبة لجميع المسئولين مهما علا شأنهم ويعتمد ذلك على إتاحة البيانات والمعلومات عن جميع الهيئات والمؤسسات الحكومية للمواطنين بشكل شفاف بهدف تعزيز ثقة أفراد المجتمع في أداء الحكومة.
النزاهة:
هو مبدأ ذو هدفين أولهما هو التحلي بالامانة عن طريق ترك كل فعل تحوم حوله الشبهات. وذلك من خلال غرس منظومة الصفات الحميدة في أفراد المجتمع. والهدف الثانى هو إستئصال ومكافحة الفساد والفاسدين لأنهم بمثابة السوس الذى ينخر في عظام المجتمع فيجعله هشاً غير قادر على الصمود في وجه التحديات.
تطبيق الحوكمة على مجال تكنولوجيا المعلومات:-
الحوكمة والمخاطر والامتثال (GRC): هي طريقة تعتمد على الهيكلة والهدف منها هو عمل نموذج تتكامل وتتلاقى فيه أهداف الحوكمة
وإدارة المخاطر والامتثال في نموذج موحد تنسيق تكنولوجيا المعلومات وتوفيقها مع أغراض العمل لتحقيق الأهداف التنظيمية بطريقة تتمتع بالثقة والمصداقية والحد من الثغرات والاستجابة لمتطلبات الامتثال ومنها الحد من إهدار الموارد وزيادة كفاءة العاملين وتوفير المعلومات بشكل فعال
وذلك عن طريق:
الامتثال:
المقصود به هو وضع اللوائح والقوانين والقواعد في موضع التنفيذ الدقيق إستجابة لمتطلبات القانون والتنظيم والقيام بإجراءات لضمان امتثال أنشطة المؤسسة لتلك اللوائح.
إدارة المخاطر:
نظراً لمواجهة أي مؤسسة أنواع شتى من المخاطر من نواحى متعددة مثل المخاطر الأمنية والقانونية والمالية فأن حسن الإدارة الجيدة للمخاطر تكون بمثابة الدرع الواقى للمؤسسة من تلك المخاطر وتداعياتها بل وتساهم بصورة فعالة ودقيقة في التنبؤ بها وتوقعها والقيام بالإجراءات المناسبة لمعالجتها والحد من خسائرها.
نموذج (GRC) للبرمجيات:
هو عبارة عن حزمة متكاملة من البرمجيات لإدارة مخاطر الحوكمة والامتثال بالمنظمة كما ينطوى على سياسة رئيسية واضحة في سبيل تحقيق أهداف المنظمة.
ومن خلال ذلك النموذج تتبع المنظمة منهج استباقي لمجابهة أي مخاطر وضمان اتخاذ إجراءات سليمة لضمان استمراريتها ويجب التأكد من فهم أصحاب المصلحة بالمنظمة الفهم الجيد لذلك النموذج وذلك من خلال اشتراكهم لوضع سياسات هيكلية لإدارة المنظمة وإجراءات تسيير الأعمال بها وكذلك المراقبة لضمان نجاح تلك الإجراءات
وذلك النموذج يعتبر من النظم الحديثة في الأعمال الإلكترونية يستخدم على نطاق واسع وخاصة في مجالات أعمال البنوك وشركات الاتصالات.
أولاً / مهام نموذج (GRC):
- تبسيط وزيادة دقة إجراءات المراجعة.
- توحيد العمل بين الإدارات المتعددة وتمكينها من العمل جميعاً كمنصة واحدة.
- الإستمرار والتمكن من الإحاطة والاطلاع الدائم على المتغيرات التنظيمية الحديثة والمعدلة التي تؤثر على نتائج أعمال المنظمة.
- فائدة ثلاثية تكمن في الإشراف على تنفيذ الخطط الموضوعة وضمان الامتثال كما تشرف بشكل كامل على إدارة المخاطر.
ثانياً / فوائد تطبيق نموذج (GRC):
يمكن للمؤسسة عن طريق ذلك النموذج توفير البيئة المناسبة المواتية لأصحاب المصلحة الأساسيين لاتخاذ أفضل القرارات ووضع السياسات الفعالة ومن الفوائد العديدة لتطبيق لك النموذج هي :-
أ – اتخاذ قرارات لها مرجعية تعتمد على معلومات موثوقة.
ب – القيام بعمليات تتمتع بالمسئولية الأخلاقية والقانونية وتهيئ بذلك بيئة صالحة ومحفزة لاشتراطات النمو والازدهار.
ج- تحسين الأمن المعلومات (السيبرانى): يُمكن المؤسسات من إختيار أفضل الخطط الأمنية لحماية بيانات عملائها مثل شركات الاتصالات وذلك نظراً لازدياد مخاطر القرصنة الإلكترونية (الهاكر) الذى يهدد خصوصية بيانات العملاء وذلك عن طريق إستراتيجية تكنولوجيا المعلومات فهي من جانب تحمى الأعمال من العقبات والعقوبات وأيضاً تنال ثقة العملاء من جانب آخر.
ثالثاً / شروط تطبيق نموذج (GRC):
- المراجعة: يمكن عن طريق ذلك النموذج مراجعة الخطط والإجراءات للتأكد من مدى توافقها مع أهداف المنظمة.
- التعلم: من خلال التعرف على قيم وثقافة المؤسسة بما يتيح وضع خطط ملائمة وإجراءات سليمة.
- الأداء: عن طريق ذلك النموذج تتخذ الإجراءات الفعالة لتحقيق النتائج المرجوة وتحاشي الوقوع في المخاطر ومعوقات العمل.
- تحديد واضح للأهداف والأدوار: مثل معالجة الأخطار المترتبة على عدم الامتثال وتحديد دور كل مسئول فيما يخصه لأن تحديد مسئولية كل موظف يعزز من عمليتى الرقابة والمساءلة لعدم إختلاط وتداخل الأدوار والمسؤوليات بما يعيق العمل.
- التقييم المستمر للإجراءات: يمكن عن طريقها تخطيط إطارات العمل واختيار الأدوات المناسبة.
- الاقتصار على استخدام الحلول المتاحة في النموذج: بمعنى عدم استحداث حلول خارج النموذج.
رابعاً / دوافع تطبيق نموذج (GRC):
- إرتفاع تكلفة عمل إدارة المخاطر.
- الحاجة للحفاظ على حماية خصوصية بيانات العملاء.
- تزايد الأنشطة الغير موثوقة في الأعمال التكنولوجية الحديثة.
- ارتفاع معدلات المخاطرة في ظل تعقد وتشابك العلاقات التجارية.
- احتياج المؤسسات لمعرفة أي تعديلات بغرض الامتثال للمتطلبات التنظيمية الحديثة.
خامساً / آليات تفعيل وتنفيذ الحوكمة:
- تقديم الدعم المستمر للأجهزة الرقابية عن طريق تطوير عمل آليات مكافحة الفساد طبقاً لميثاق الأمم المتحدة.
- رسم سياسات محكمة لإعداد كوادر تتمتع بالعلم والقدرة على رسم الخطط ووضع الآليات والسياسات المناسبة لتحقيق مفاهيم الإدارة الرشيدة.
- تدعيم الوحدات الحكومية وإحكام الرقابة عليها وتقويم أي انحراف في سلوك القائمين عليها.
- ضمان التنسيق بين جميع المؤسسات والمنظمات الحكومية عن طريق الربط الإلكترونى لتنفيذ إصلاحات الحوكمة تحقيقاً للنزاهة والشفافية.
- وضع أنظمة مراقبة لقياس أداء المؤسسات الحكومية.
الفئات المستهدفة
- العاملين بالقطاع الحكومى.
- كبار المسئولين وواضعي السياسات الاقتصادية.
- الجهات الرقابية.
- فئات المجتمع المتنوعة مثل الاقتصاديين والقانونيين والدارسين الأكاديميين والباحثين المتجهين للعمل بمجال الحوكمة.
المُلخص
وختاماً فان الحوكمة تصنع المستحيل فإن في ظل الاسترشاد بمبادئها والسير تحت مظلتها يمكننا النهوض والتقدم في كافة المجالات.
وأتوجه بالنصح لفئة معينة وهي الشباب لأن على اعتاقهم تقع مسؤولية النهوض والتصدي للمخاطر المتعددة التي تواجه عمل المؤسسات والشركات وإدراكاً لأهمية بناء نماذج تندمج فيها مبادئ النزاهة والشفافية والعدالة وإعداد كوادر من المديرين التنفيذيين ، أصحاب المصالح الرئيسيين يُمكنهم تطبيق والتعامل مع الحوكمة التي هي بمثابة لوحات استرشادية ويجب علينا إذا ما أردنا أن يكتب لنا النجاح في تطبيق الحوكمة وجنى ثمارها أن نأخذ في اعتبارنا ما يلى:
- تقييم الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
- قيم المؤسسة وترسيخها في وجدان العاملين.
- أهداف المنظمة من ناحية الشكل القانوني أو من ناحية الإنفصال أو الإندماج.
- التدريب المستمر للمديرين وواضعي الاستراتيجيات بهدف ضمان معرفتهم التامة بأثر تطبيق الحوكمة.
- نوع وحجم المؤسسة أو الشركة بالإضافة لمجال عملها ونشاطها.
لأن تلك الإعتبارات تضمن وضع الخطط السليمة ومعرفة المتطلبات الضرورية للمنشأة ونوع الرقابة الملائم لها..