أسمح لى عزيزى القارئ أن أصطحبك في جولة بانورامية حول موضوع الناتج المحلي الإجمالي الذي يهم معظم الناس. سواء الإقتصادية أو المحاسبين أو رجال الأعمال أو المستثمرون المحليون والأجانب أو حتى الموظفون ورجل الشارع العادى وتلقى بظلالها على حركة التصدير والاستيراد. كما تنعكس على بورصة الأوراق المالية وتحدد مؤشرات تداولها كما تكون الفيصل في حكم مؤسسات عالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكافة المانحين للقروض الآخرين في الحكم على جدارة الاقتصاد الوطنى لمنحة قروض وتسهيلات من عدمه.
جدول محتوى المقالة
وذلك لما لموضوع الناتج المحلى الإجمالى من انعكاسات تؤثر على جميع أنواع الأعمال والسلع والخدمات التي ينتجها المجتمع. فالناتج المحلى الإجمالى بمثابة المرآة التي تنعكس على صفحتها قيمة الأعمال والخدمات والسلع النهائية التي يفرزها المجتمع من حيث قيمتها الإجمالية بإعتبار أنه يعتبر أداة متكاملة لقياس الإنتاج في هذه الدولة.
تعريف الناتج المحلي الاجمالي
يعتبر بمثابة أداة لقياس الأداء الاقتصادي للدولة بكامله ممثلة بالأفراد والشركات والمصانع والكيانات الإنتاجية والخدمية. فهو يقيس جميع السلع والخدمات المتنوعة النهائية التي قامت تلك الدولة بإنتاجها خلال فترة زمنية محددة. كما يعتبر الناتج المحلي الإجمالي بمثابة ترمومتر للأداء الاقتصادى بصفة عامة.
وتتعدد الطرق المستخدمة التي نستطيع بها قياس الناتج المحلي الإجمالي للدولة. فمنها من يعتمد على منهجية المصروفات الإجمالية
ومنها من يتخذ من منهجية الدخل أداة للقياس. ومنها من يستخدم منهجية الإنتاج وسيلة للقياس. ورغم تعدد تلك الطرق لقياس الناتج المحلى الإجمالى إلا أنهم جميعاً يعطون نفس النتائج. فيما لو تم إحتساب كل منهم بالشكل الصحيح ، كما يجب تعديلات نتائج تلك القياسات وفقاً لعدد السكان ومعدلات التضخم.
وسوف نصحبك قارئنا العزيز للتعرف على تلك الطرق وكيف يمكن القياس عن طريقها
طرق قياس الناتج المحلي الاجمالي
أولاً / قياس الناتج المحلي الإجمالي عن طريق منهجية المصروفات:-
تقوم هذه الطريقة باحتساب الناتج المحلى الإجمالى عن طريق احتساب جميع مشتريات المجموعات الرئيسية المشاركة في الاقتصاد ويتم حسابها عن طريق المعادلة التالية:-
الناتج المحلى الإجمالى = (صافى الصادرات + الإنفاق الحكومى + نفقات المستهلكين + إجمالي الإستثمار)
الإنفاق الخاص أو إنفاق المستهلكين:
وهى تلك الأموال التي تستخدم لشراء كافة السلع والخدمات من أدنى الاحتياجات اليومية إلى السلع الباهظة. مثل العقارات والأراضي والسيارات وهو ما يعتبر الرقم الأكبر في معادلة قياس منهجية المصروفات.
الإنفاق الحكومى:
فهى تشمل كافة الأموال التي تنفقها الحكومة على كافة أوجه النشاط مثل رواتب الموظفين وشراء الأصول مثل المعدات والآلات وكافة المشروعات مثل البنية التحتية ويحتل أهمية كبيرة لقدرته التأثيرية على الأوضاع الاقتصادية مثل التضخم والكساد والركود وكذالك السياسات المالية للدولة بصفة عامة.
نفقات الاستثمار (النفقات الإستثمارية):
فهي مجموع ما يتم إنفاقه على المشروعات ذات الطبيعة الإنتاجية مثل المصانع ويعتبر الإستثمار مكوناً هاماً من مكونات الناتج المحلي الإجمالي حيث أنه يساهم في تنمية الاقتصاد الوطنى ويحسن رفاهية المواطنين ويحد ويخفض من معدلات البطالة.
صافى الصادرات:
فهى القيمة الصافية لكل السلع والخدمات التي قامت الدولة بتصديرها مقابل إجمالي الواردات من وإلى جميع الدول الأخرى وتتأرجح صافى تلك القيمة ما بين المؤشرات السلبية أو الإيجابية ففي حالة المؤشرات إيجابية يعني أن تلك الدولة منتجة وفى حالة المؤشرات السلبية تعني أن تلك الدولة مستهلكة.
ثانياً / قياس الناتج المحلي الإجمالي عن طريق منهجية الدخل:-
تقوم هذه الطريقة باحتساب الناتج المحلى الإجمالى عن طريق احتساب جميع الأموال والتدفقات النقدية المحققة والمكتسبة نتيجة كافة أوجه النشاطات الاقتصادية من السلع والخدمات. لأن هناك قاعدة اقتصادية مفادها (أن دخل أي فرد ما هو إلا إنفاق لفرد آخر)
بمعنى آخر أن تلك الأموال تمثل دخلاً لأفراد المجتمع من ناحية وإنفاقاً لأفراداً آخرين. وتشمل كمثال لتلك الأنشطة الإيجارات بأنواعها مثل أرباح التي حققتها الكيانات والشركات والمنشآت الاقتصادية والتجارية ، إيجار العقارات والأراضى ، الأجور بأنواعها المتعددة ، الفوائد الدائنة على الاستثمارات الحكومية المتنوعة.
ويجب أن يؤخذ في الحسبان عوامل أخرى مؤثرة عند الإعتماد على تلك الطريقة لحساب الناتج المحلى الإجمالى مثل صافى الدخل الخارجي والضرائب.
ثالثاً / قياس الناتج المحلي الإجمالي عن طريق منهجية الإنتاج:-
تقوم هذه الطريقة باحتساب الناتج المحلى الإجمالى فهي تحتسب بالقيمة الصافية
بعد خصم كافة تكلفة المواد الخام ومستلزمات الإنتاج الأخرى والتي تدخل في العملية الإنتاجية والسلع والخدمات في صورتها النهائية .
ولعلك تتساءل الآن عن:
فائدة وأهمية قياس واحتساب الناتج المحلي الإجمالي
ليس خافياً على أحد أن من أهم الفوائد المتعددة لإحتساب الناتج المحلي الإجمالي انه من خلالة تستطيع مقارنة الوضع الإقتصادى بين الدولة ودول أخرى. فهو يعتبر من أشهر المصطلحات في عالم الاقتصاد. ويمكن أيضاً مقارنة أداء الدولة نفسها خلال فترات زمنية مختلفة. لمعرفة مدى نجاح السياسات المالية الحكومية فإذا ما تبين ارتفاع قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدى الدولة. فإنه تلقائياً تتولد الثقة والنظرة الايجابية المتفائلة والمستقرة التي تنتج عن قياسه.
وتدفع بقطاعات المجتمع من جموع المستهلكين لإنفاق المزيد من الأموال بما يعود على الاقتصاد الوطنى بالرواج والنمو. نتيجة سرعة دوران رأس المال المستخدم في العملية الإنتاجية. ويجذب المزيد من الإستثمارات المحلية والأجنبية بما يخفض معدلات البطالة ويدفع بالصادرات إلى النمو على حساب الواردات. ويضخ المزيد من النقد الأجنبي ويسهم في زيادة الاحتياطى الاستراتيجى لدى البنوك المركزية.
وعلى النقيد تدفع مؤشرات تدنى قيمة الناتج المحلي الإجمالي:
إلى تراجع قيمة ما ينفقه المستهلكون وبالتالي ركود حركة الأسواق وتدني معدلات دوران رأس المال. وبالتالي بطء أو توقف الإستثمارات المحلية والأجنبية بل وخروجها من سوق العمل وهروبها لدول أخرى تكون أكثر جذباً للإستثمار والحد من إمكانية إتاحة فرص عمل لترتفع معدلات البطالة.
مما يدفع بالاقتصاد إلى الدخول في النفق المظلم للركود. وقد يتحول ذلك الركود لاحقاً إلى كساد مزمن في حالة الفشل في معالجة أسبابه. ومن ثم يصاحبه التضخم الذى يخنق الاقتصاد الوطنى على نحو يهدد سلامة المجتمع.
وهنا نشير إلى أنه يمكن قياس مدى الإكتفاء الذاتي لأي دولة عن طريق اتخاذ الميزان التجارى مؤشراً لذلك. و أيضاً مقياساً على مدى كفاءة وقوة الاقتصاد الوطني للدولة ونظراً لتلك الأهمية لبيانات ومؤشرات الناتج المحلى الإجمالى الغير عادية حيث توليه الحكومات إهتماماً بالغاً وتعتمد عليه في رسم خططها المالية وسياساتها الاقتصادية
فهو مثار متابعة واهتمام ومحط أنظار تبحث عنه أعين وتتلقف بياناته أطراف متعددة مختلفة الاهتمامات مثل المستثمرين والسياسيين والمحللين الاقتصاديين. بالإضافة للشركات والكيانات الاقتصادية العملاقة متعددة الجنسيات والتي ترغب في دخول أسواق تلك الدولة أو الإستثمار فيها
فأول ما ينبغي لتلك الأطراف عمله هو المتابعة الدقيقة والمستمرة لتلك البيانات وتحليلها ومعرفة مؤشراتها ومدلولاتها. ليتسنى لهم اتخاذ قرار الاستثمار في تلك الدولة في حالة توافر عنصري النمو والاستقرار من عدمه في حالة تقلص و تذبذب تلك المؤشرات.
ولكن هنا تدخل عوامل أخرى في مؤشرات الناتج المحلى الإجمالى أهمها على الإطلاق هو عدد السكان. فمثلاً توجد دول ناتجها الاقتصادي مرتفع وعدد السكان فيها كبير فنقوم هنا بحساب نسبة الناتج المحلي الإجمالي نسبة إلى عدد السكان. فنجد أن نصيب كل فرد منخفض والعكس توجد دول ناتجها الاقتصادي صغير ولكن عدد سكانها منخفض فنجد أن نصيب كل فرد فيها من الناتج المحلي مرتفع.
ومن هنا نستطيع القول تحديداً بأن:-
الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى:
هو إحتساب نسبة مساهمة كل فرد في تحقيق قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
ومقياس معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي:
هو معدل الزيادة والارتفاع في قيمة الناتج المحلى الإجمالى من ربع مالى إلى الربع المالى التالى ومن عام مالى إلى العام المالى الذى يليه وهو بمثابة ترمومتر دقيق وحاسم يُمكن عن طريقه قياس وحساب بشكل دقيق معدلات النمو والانكماش الاقتصادي.
وكذلك التوقع الدقيق بمعدلات التضخم والركود الاقتصادي وفوائد ذلك اٍستباق حالتى الركود والتضخم بإجراءات مدروسة تحد من إثارهما المدمرة على المجتمع والإقتصاد. وأيضاً الخروج من كهفهما المُعتم بأقل الخسائر وبأسرع وقت ممكن والعودة لحالة تحقيق معدلات نمو اقتصادي في غضون أقل وقت ممكن بالإضافة لإتخاذ كافة إجراءات الحيطة والحذر بشكل استباقي مبكر.
وننوه هنا بأن قياس معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى لا يأخذ في اعتباره إلا كلاً من الإنفاق والدخول الرسمية. ويهمل تلك البيانات غير الرسمية ولذلك فعن طريقه تقاس قيمة القوة العاملة العاطلة والغير مستغلة وأنشطة الأسواق السوداء. وكذلك كافة الأعمال الخيرية والتطوعية وما يتم إنتاجه داخل المنازل وكذلك أرباح الشركات الأجنبية العاملة داخل الدولة
وذلك يرجع لكون الناتج المحلى الإجمالى ذو نطاق ضيق ومحدود جغرافياً. ومن نقاط الضعف المؤثرة في معدلات قياس الناتج المحلي الإجمالي هو تركيزه فقط على العائد المادى وغض النظر وإغفال حالة رفاهية أفراد المجتمع بصفة عامة. وذلك يرجع لإهماله قياس معدل التنمية الاقتصادية للدولة أو رفاهية مواطنيها.
وذلك لأنه غالباً ما يجنى الأغنياء ثمار النمو الاقتصادى بينما الغالبية العظمى من المجتمع فقراء لا ينالهم من النمو الإقتصادى إلا مزيداً من الأعباء وارتفاع معدلات الفقر.
ولك المثال القادم في توضيح فكرة الناتج المحلى الإجمالى
لو افترضنا أن إدارة احد اندية كرة القدم المشهورة عالمياً رصدت مكافأة فوز لكل لاعب مليون جنيه في الفريق
في إحدى مباريات نهائي بطولة كبرى مهمة والتي يبلغ مقدار مكافأة الفوز بها مبلغ مائة مليون جنيه
فإن إجمالي المبلغ المطلوب للاعبين مع الجهاز التدريبي كمكافأة في حالة الفوز سيصبح ثلاثون مليون جنيه
فمن أين تأتى هذه الأموال؟
تأتي من أن النادى فاز ببطولات سابقة في الأعوام الماضية وحصلت على مكافآت الفوز بها
كما أن مكافأة تلك البطولة لو تحققت تفوق مبلغ الـ ثلاثون مليوناً المرصودة من قبل النادى كمكافأة فوز للفريق
فمعنى ذلك أن إجمالي المصروفات والتي تدخل ضمن نطاقها مكافآت الفريق لن تتعدى بأى حال من الأحوال نسبة من 30 – 40 % من مكافأة الفوز التي تدخل إلى خزينة النادى.
وتحليل ذلك أن إدارة النادى لم تهدر مواردها في رصد تلك المكافأة الضخمة لأنها بمثابة إستثمار لجنى عائد أكبر. وفي الوقت ذاته تحقيق بطولة تدفع بالتصنيف الدولي للنادى لمصاف الأندية الكبرى الأكثر حصولاً على البطولات. مما يرفع من القيمة التسويقية للاعبين والنادى وأيضاً يرفع أسهم النادى باعتبار ناتجة الإقتصادى ووضعه المادى مربح.
كما أن ميزانه المالى والتجارى إيجابى ومشروعاته ناجحة ومزدهرة. وتحقق العائد منها وتجنى أرباحاً طائلة وتحقق كافة الأهداف المالية والتجارية والتسويقية. وتساهم أيضاً في تسويق العلامة التجارية للنادي لدى الـشـركـات الراعية والمعلنة. مما يجعله أيضاً يجنى أرباحاً طائلة يتفوق بها على جميع الأندية الأخرى. ويكون سباقاً لاستثمار فائض ميزانه التجاري في استثمارات أخرى داخلية وخارجية تجلب له مزيداً من الأرباح.