قبل أن نتكلم عن تعويم العملة كأحد الأدوات الأكثر شيوعاً، التي تلجأ إليها حكومات الدول التي يعاني اقتصادها من الركود التضخمى. فإننا يجب أن نعرف قارئنا العزيز بأن تعويم العملات هي ثمرة من الثمار السيئة لشجرة الركود الإقتصادى. الذى يتفرع منه التضخم مؤدياً إلى طريق مسدود نحو التعويم. ومزيد من السياسات الاقتصادية والتي يدفع فاتورتها أغلب أفراد المجتمعات في الدول النامية ذات الاقتصاد الضعيف من محدودى الدخل.
جدول محتوى المقالة
فهيا بنا قارئنا العزيز نتعرف على التعويم من قرب ذلك المصطلح الذى يصيب الناس بالرعب واليأس والإحباط. ونتعرف على كل ما يخصه من معناه وأنواعه وقواعده ولماذا تلجأ الحكومات له؟ وهل له جوانب إيجابية؟ أم أن جميع جوانبه سلبية. ونتعرف أيضاً على سلبياته
وهل يوجد رابحون من قرار التعويم؟ ومن هم الخاسرون من التعويم؟
كل ذلك سوف نتعرف عليه في ذلك المقال الشيق الذي يمس حياة الناس ويؤثر عليها تأثير مباشر.
نبذة عن فكرة تعويم العملة
أن التعويم بمثابة الدواء المر الذى تلجأ إليه الحكومات مضطرة تحت مقصلة مؤسسات الإقراض الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. ووفق شروطه المجحفة للموافقة على قرض يظنه الظمآن ماء ولكن ليس في النار للظمآن من ماء. وما أثبتته التجارب أن الأموال التي يمنحها صندوق النقد الدولي في ظل تلك الشروط والمراجعات لا تزيد ولا تقل عما يفعله أي مربى. لا يهمه إلا تعظيم العائد من القروض التي يقرضها للمتعثرين بشروط مجحفة.
فالتعويم كأى خطة اقتصادية أخرى له جوانب إيجابية لو تم التخطيط له وفق خطة مدروسة تراعى الطبقات الفقيرة محدودة الدخل. وله جوانب سلبية خطيرة على الإقتصاد والناس. اذا تم إتخاذ القرار بشأنه عشوائياً ودون تخطيط مسبق أو تحت ضغط أو شروط من جهات الإقراض.
فيتحول وقتها ثقب أسود يلتهم أي معدلات نمو أو ناتج محلى. مما يؤدى لزعزعة إستقرار الأسواق وتدني مستوى معيشة أفراد المجتمع وصعوبة ملاحقة الرواتب لمعدلات غلاء أسعار السلع الأساسية.
كما يؤدى لصعوبة الحصول على القروض التي يلجأ إليها الأفراد من ذوى الدخول المحدودة كحل أخير للوفاء بالتزاماتهم. وذلك نتيجة لإرتفاع تكلفة القروض نتيجة رفع سعر الفائدة نتيجة التعويم. و لكبح جماح التضخم الذي هو بمثابة الأخ الشقيق للتعويم.
وكذلك يعاني الناس من أوضاع إقتصادية أخرى صعبة منها صعوبة الحصول على فرص عمل. والضغط على المنتجات المحلية البديلة للمنتجات الأجنبية المستوردة مما يؤدي في ظل قانون العرض والطلب لزيادة أسعارها
كما يقوم تجار الجملة بالاستفادة من التعويم بزيادة سعر مخزوناتها من السلع زيادات غير طبيعية. تزيد الضغط على الأسر محدودة الدخل
مما يؤدي في النهاية لاختلالات اجتماعية رهيبة أخرى. مثل ارتفاع معدلات الطلاق وزيادة معدلات الجريمة وزيادة حالات التسرب من التعليم لعدم القدرة على الوفاء بتكاليفه.
ما معنى مصطلح التعويم
هو بمثابة تعريض العملة الوطنية تتفاعل مع قانون السوق (العرض والطلب) دونما تدخل حكومي ممثلة بالبنك المركزى. وواقعياً هذا التعريف غير موجود على أرض الواقع حتى في ظل أقوى الاقتصاديات الأمريكية والأوروبية. وهي من أكثر الاقتصاديات العالمية إنفتاحاً وإعتناقاً لمبدأ الاقتصاد الحر
فعادة ما تستهدف البنوك المركزية في تلك الدول سعر معين يخدم مصالحها الاقتصادية. وتعمل على تحقيقه وتثبيته وتستخدم في سبيل ذلك أساليب غير مباشرة عن طريق آليات مختلفة لسياسته النقدية.
أنواع التعويم
للتعويم نوعين هما :
الاول/ تعويم العملة المطلق:
وهو تعريض العملة تتفاعل مع قانون السوق (العرض والطلب) دون تدخل حكومي ممثلة بالبنك المركزى
وسبق أن أشرنا إلى أن هذا النوع من التعويم غير موجود على أرض الواقع.
الثاني/ تعويم العملة المدار:
وهو نوع من التعويم يقوم من خلاله البنك المركزى بتوجيه سعر صرف العملة المحلية من ناحية الإرتفاع أو التخفيض. وفقاً لمصلحة الدولة الاقتصادية وهذا النوع من التعويم عادة تمارسها الدول التي تتمتع باقتصاديات قوية ومرنة. وتتمتع بقاعدة صناعية متميزة وتحوز حصة لا بأس بها من التجارة العالمية. ويطلق على هذا التعويم حرب العملات التي اندلعت بعد عام 2008 وشهدها الاقتصاد الدولي بهدف الحد من الواردات وتعظيم الصادرات.
لماذا تلجأ بعض الدول ذات الاقتصاد الضعيف للتعويم
تلجأ دول ذات اقتصاد ضعيف إلى التعويم المدار ولكن بتكلفة إقتصادية كبيرة يدفع فاتورتها الناس العاديين. وتلك الدول تلجأ لسياسة التعويم في ظل معاناتها من أوضاع اقتصادية ومالية خانقة. وفي ظل صعوبة الحصول على العملات الأجنبية للحفاظ على استقرار الأسواق في ظل اختلال ميزان المدفوعات نتيجة سوء الأداء الحكومي.
حيث تزيد حركة الصادرات عن الواردات لتميل كافة الواردات بقيمة أكبر بكثير من الصادرات. مما يستنزف العملات الأجنبية في الواردات وتتأثر سلباً موارد النقد الأجنبي وتقل تدفقات الاستثمارات الأجنبية. وتجد الحكومة نفسها وقد تضخمت التزاماتها لتصبح أكبر بكثير من قدراتها لكون موارد العملة الأجنبية المتاحة أصبحت خارج سيطرتها.
ونتيجة لذلك يصبح البنك المركزي غير قادر على ضبط سعر صرف العملة الوطنية ويكون التحكم فيها فى متناول السوق السوداء او السوق الموازية. ولكن غالباً ما تضطر الدول الضعيفة إقتصادياً للتعويم رغماً عنها استجابة لشروط صندوق النقد الدولى المانح للقروض. بالإضافة حزمة شاملة من الإجراءات التقشفية منها تعويم سعر العملة الوطنية وتقليل أعداد العاملين بأجهزة الدولة والقطاع العام. وتبني برامج خصخصة الشركات المملوكة للدولة وتيسير دخول الاستثمارات الأجنبية وتحرير التجارة الدولية الخارجية.
قواعد تحديد سعر العملة
بعد أن تخلى العالم عن قاعدة الذهب المستخدمة في تقييم سعر صرف العملات عام 1971 واستبدلها بعدة محددات لتحديد سعر صرف العملات منها :
- رصيد النقد الأجنبي والذهب الذي تملكه الدولة (الإحتياطى).
- قيمة الناتج المحلى الإجمالى ومن المعلوم أنه كلما كانت الدولة تتمتع بناتج محلي إجمالى أكبر كلما زادت قيمة عملتها المحلية.
تعويم العملة ودورها في إنعاش أو الإضرار بالاقتصاد
أولاً / إيجابيات التعويم:
تعويم العملة المحلية له أكثر من جانب إيجابى ولكن يشترط أن يتم التعويم من خلال خطة مدروسة ودقيقة وتضعها كوادر اقتصادية على قدر عالى من الكفاءة ومن تلك الجوانب الإيجابية:
- القضاء على السوق السوداء وذلك لتوحيد سعر صرف العملات الأجنبية في البنوك والسوق السوداء.
- القضاء على ظاهرة (الدولرة ) ومعناها توجه المواطنين لحيازة الدولار والاحتفاظ به دون الحاجة لذلك ولكن بهدف المضاربة على سعر صرفه والربح من ارتفاع سعره.
- القضاء على عمليات غسيل الأموال لعدم إمكانية التعامل مع السوق السوداء ولا تجد تلك العمليات المشبوهة أمامها إلا التعامل عبر المنافذ الرسمية مثل البنوك والتي تضع شروط مشددة لا تسمح بها.
- تقليل الضغط على البنك المركزى فيما يتعلق بحجم الاحتياطى من العملة الأجنبية.
- يؤدى في ظل خطة إستراتيجية مدروسة جيداً إلى نمو الصادرات والمنتجات المحلية ستصبح أكثر إغراءاً في الأسواق الخارجية لرخص أسعارها لانخفاض قيمة العملة مقابل العملات الأجنبية الأخرى وهكذا تصبح أكثر قدرة على المنافسة مع السلع الأخرى.
ثانياً / سلبيات التعويم:
تعويم سعر العملة الوطنية في الدول التي تعاني من إقتصاديات ضعيفة يعد مجازفة خطير غير مأمونة العواقب لأن التعويم سوف يؤدى إلى إرتفاع أسعار السلع المستوردة. وهو ما يؤدى إلى قفزات كبيرة وغير مبررة في الأسعار خصوصاً في تلك الدول التي يعاني اقتصادها من اختلال ميزان المدفوعات السلبي. بمعنى أن قيمة واردتها أكثر كثيراً من صادراتها مما ينعكس على معدلات التضخم الحقيقية التي تكون أعلى كثيراً من تلك المعدلات الرسمية المعلنة.
ولنفترض أن العملة المحلية نتيجة للتعويم فقدت نسبة 15% من قيمتها فمعنى هذا إنخفاض تكلفة الاستثمارات الأجنبية. بالإضافة لانخفاض تكلفة الصادرات والسياحة الأجنبية بنفس النسبة.
ولكن في المقابل سيؤدي التعويم زيادة في أسعار الواردات وبالتالي تقليص حركة الاستيراد والاعتماد على البديل المحلى وتشجيع الصناعة الوطنية. ولكن كل ذلك لن يتحقق على أرض الواقع إلا إذا صاحبته إصلاحات اقتصادية جذرية.
تُركز على القطاعات الأساسية مثل قطاعي التصنيع والخدمات الذين هما بمثابة القاطرة للناتج المحلى الإجمالي مما يؤدى لدعم الاقتصاد الوطنى عن طريق الحد من الواردات وزيادة الصادرات.
وسينتج عنه تعافى العملة المحلية بصفة تدريجية وتحسين الميزان التجاري وتراجع معدلات التضخم وزيادة معدلات النمو الاقتصادى. وجذب الاستثمارات الأجنبية مما يفضى لإرتفاع مستوى معيشة أفراد المجتمع.
ورغم كل الإيجابيات التي سبق توضيحها لكن يصبح لإتخاذ قرار التعويم للعملة الوطنية
من قبل كوادر حكومية لا تتمتع بالقدر الكافي من الكفاءة و بغير دراسة علمية على أعلى مستوى آثار وسلبيات في غاية الخطورة على مستوى الاقتصاد الوطني. و تتعداه وبشكل أكثر خطورة على المستوى المعيشي للناس وتلك الآثار السلبية تمنع الاستفادة من الإيجابيات التي سبق بيانها.
ومن أهم هذه السلبيات:
- التدهور المفاجئ لقيمة العملة الوطنية في حدود الثلث مثلاُ سيؤدى لتدمير المستثمر المحلى لأنه وببساطة شديدة سيفقد ثلث رأس ماله.
- زيادة تكلفة خدمة الدين.
- ارتفاع تكلفة السلع المستوردة والواردات بشكل عام.
- زيادة معدلات التضخم بشدة بشكل قد لا تجدى معه كافة الخطط للسيطرة عليه وجعله ضمن الحدود المعقولة.
- تدني الحالة المعيشية لأفراد المجتمع وانحسار قدرتهم على تلبية إحتياجاتهم الضرورية ومهما زادت المرتبات فلن تكفى لسد الفجوة بينها وبين الأسعار التي تزيد بشكل مستمر مما يثقل كاهل المواطن محدود الدخل ويؤدي لاختلال في تماسك وقيم المجتمع.
من الرابحون من التعويم؟
الأفراد الذين لديهم مدخرات بالعملات الأجنبية حيث تتضاعف قيمة مدخراتهم ويتجهون عقب عملية شراء الأصول مثل الأراضى والعقارات والمصانع بسبب تضاعف ثرواتهم.
- المدينون بمبالغ من العملة المحلية للجهات الحكومية وقد استخدموا هذه الديون لشراء أصول يستطيعون بيع تلك الأصول بالأسعار الجديدة المرتفعة وسداد مديونياتهم بأقل من قيمتها التي حصلوا عليها.
- تجار الجملة الذين يقومون برفع سعر السلع المخزنة لديهم وبيعها بأعلى من سعر شرائهم لها.
- المصدرون لإنخفاض قيمة المكون المحلى في سلعهم.
- الحكومة لإنخفاض قيمة الديون المحلية مما يخفف الأعباء عن كاهل الموازنة العامة.
من الخاسرون من التعويم؟
- المدخرون بالعملة المحلية نظراً لتقليص قيمة مدخراتهم وفقدان جزء كبير من قيمة ثرواتهم.
- الدائنون بعملات محلية حيث تقل قيمة مستحقاتهم طرف المدينون.
- منتجي السلع التي لا يمكنهم تحريك أسعارها.
- المستوردون لإرتفاع سعر السلع المستوردة في ظل التعويم.
- معظم أفراد الناس والغالبية العظمى من الناس وخاصة الموظفين
لأن رواتبهم لا يمكن زيادتها بنفس قيمة الإنخفاض في سعر صرف العملة المحلية ومن ثم يفقد هؤلاء القدرة على الوفاء بالمتطلبات الأساسية للحياة وسبل العيش الكريم.
المُلخص
في الختام, نؤكد على خطورة تعويم العملة المحلية في الدول النامية ذات الاقتصاديات الضعيفة ذات الناتج المحلى المنخفض. وفى ظل قاعدة صناعية وإنتاجية لا تتمتع بالمنافسة من الصناعات النظيرة لها على المستوى العالمي.
وضرورة البحث عن بدائل أخرى لأنه بالتجارب العديدة التي أقدمت عليها دول ذات اقتصاديات متباينة القوة لم تنجح سياسة التعويم. إلا في الدول التي تتمتع بالإقتصاديات القوية والقاعدة الصناعية التنافسية والنصيب الوافر من حركة التجارة العالمية مثل الصين.
وفي نهاية هذا المقال, أرجو عزيزى القارئ أن أكون قد وفقت لعرض كافة جوانب موضوع تعويم العملة عرضاً وافياً من كافة جوانبه وأتمنى أن تكون المعلومات الواردة خلال هذا المقال قد نالت رضاك وأعجابك.
كما يبقى السؤال هنا, لوكنت في موقع المسئولية في احدى الدول النامية، ما هو البديل الأمثل والأكثر أماناً من وجهة نظرك الذي كنت ستختاره بديلاً لـ تعويم العملة في حالة ما إذا اضطررت إليه تحت وطأة الحالة الإقتصادية ؟